نبيذ أم جن؟

  • 0

أستنى .. لازم تشغل ديه الأول ..

Graveyard of Empires by Evans Blue on Grooveshark





غربت شمس اليوم الواحد وعشرين ... بعد عبوث رياح هوجاء في شموع القارَة الزرقاء حتى انطفئت جميعاً..
لم يبق لطالب علم ما يستذكر على ضوئه أو للاهٍ ما يستلذّ بشهوته عليه..
علمت ان الوقت قد حان ..
ها هي أصوات الكمان تعلوا شيئا فشيئا .. نعم، لقد حان الوقت..
ولكني لم أستعد بما فيه الكفاية ! .. يجب علي الذهاب وإلا فسيأتون من أجلي..
نزلت مهرولاً في طريقي إلى هناك ، فوجدت الطرق الثلاثة مسدودة ، الكل يقصدون نفس مقصدي ..
ولكن كلهم سعداء.. لا اعرف لم اطمئنت قلوبهم!  هل يعرفون ما ينتظرهم ..
الكل واثق من نفسه..
يسكن قريتنا تجار والبقية نجاريين .. ولكلٍ خمره.. لا يشرب أحدهما خمر الآخر..
شرب النجاريين الكرم واما التجار فلم يستغنوا عن الجن..
شربت الجن في البداية فوالدي كانوا تاجرين.. ولكن سرعان ما سألت نفسي عن سبب للشرب..

لم أحتمل الزحام .. فاتخذت طرقاً مختصرة.. فصرت أخرج من درب متخفٍ وأهرب الي آخر في رداء غير ردائي..
وصلت أخيرا ولكن لم أحتسي أي شراب في طريقي إلى هنا..
أسمع خفقان قلبي بين ضحكات الآخرين.. كادت الوحدة تقتلني.. حتى رأيت ثغرها الفتان.. كانت الوحيدة التي تنظر الي في عدم اشمئزاز.. بل كانت تبتسم لي كلما راح كأس الجن الذي في يدها من امام وجهها فتظهر من ورائه.. يالهذه الابتسامة!  اطمئن قلبي وعلمت أني قد وجدت صديقاً..

لم تدم الفرحة طويلاً .. فلقد ظهروا.. أعتدلت في جلستي ونظرت إلى السماء..
أتوا في نظام شديد وكأنهم كتيبة قوات خاصة في الجيش..
يحملون في أيديهم ما سمعنا طول حياتنا عنه.. كثرت فيه الأقوايل والأساطير.. لطالما أرتعدت كلما سمعت عنه..

انه الامتحان ..  فقد وضع الملك امتحان لرغبة لديه لا نعرفها ..
وللامتحان قواعد..
أول قاعدة ؛ لا يوجد قواعد ..
كل شيء مباح.. الغش.. النصب.. الأحتيال.. القتل!
المهم ان تنجح بالامتحان .. وللراسبين سجن القلعة مدى الحياة


كان من المشاهد التي رأيتها ما يستحق الذكر..يأتي الملك بين الحين والآخر فيعصف فيما يزيد عن ألف من القرويين .. ويسبهم بالفشل وقلة العقل .. سحب كتاب الاجابة منهم .. حرمهم من الامتحان.. سجن القلعة مصيرهم مدى الحياة ..

شعرت بالأسى تجاههم .. فلربما كانوا يفكرون في الاجابة.. اما كانوا يريدون فقط ان يحظوا بفرصتهم الوحيدة كاملة مثل اللآخرين ..
لا أجد أي سبب لذلك البطش.. الا اللهو واللعب.. وأستنكر تلك الأفعال على ملكنا .. فلقد طالما عرفناه بالحكمة وسعة العقل..

ذلك لم يكن شيء مقارنة لما رأيته فيما بعد..
فتحت كتاب الأسئلة.. فلم أجد شيئاً.. ألف صفحة وصفحة بيضاء.. لم تتوقف أصابعي عن الحركة.. أفر يساراً لا شيء..  يمينا .. لا شيء..
لم أقص أظافري منذ شهر .. جرحت نفسي أكثر من مرة .. سال الدم من يداي حتى أغرق الكتاب .. وقتها علمت أني منحوس .. الكل من حولي يملاء كراسة الاجابة وحتى الآن لم أجد حتى السؤال لأقراءه.

بدأت تتسارع أصوات الكمان في جنون.. معلنة عن نهاية الوقت.. وأنا كما بدأت لم أكتب شيء قط.. وقد أغرق دمي كتابي الأسئلة والاجابة .. كل ما كان يدور برأسي هو ؛ "ما هو السؤال ؟"


ثم بدأت تخفت شيئاً فشيئاً.. حتى انعدمت تماما.. بدأوا جمع كتب الاجابة.. وبدأ الناس بالنهوض من مجلسهم والتجمع في دوائر.. يتحدثون عن ما دار في الامتحان..

وأنا لا أشعر بشيء سوى الحسرة والألم .. والتعجب .. هل كان الأمتحان بتلك السهولة ليجيب عليه كل الناس ؟ أم أنا بالغباء الكافي الذي يمنعني من فهمه .. لدرجة انني لم أستطع حتى ادراك هوية الاسئلة ..

سقطت رأسي من اليأس على المنضدة.. لم أشعر بشيء..
بدأت أرفع رأسي قليلاً ببطء .. مرددا عبارات تدعوا للتشبث بالامل.. ربما كلهم مخطئين.. وانا على صواب .. ربما كان الغرض ان نبحث عن السؤال .. فضلا عن كتابة الاجابة التي علمها لنا أقاربنا .. او التي راهننا عليها..
ما هذا الذي أراه .. انه الملك .. هل يسير باتجاهي ؟
ربما سيكرمني لاني بذلت مجهودا في البحث عن السؤال .. نعم ملكنا عادل لم أعرف له ظلما قط ..
يااه .. ارتاح قلبي .. ولكن ما هذا أشعر بوغز في ظهري .. التقت الي الخلف فلم أجد أحد ..
أييييييي .. الوغز يزداد ..

"هيا انهض ايها الحشرة .. قم يا فاشل.. انتهى الوقت"
اين انا ؟ ما هذا الصوت ؟؟ .. لم يمض كثير من الوقت حتى أدركت اني كنت أحلم .. كان هذا صوت السجان يوقظني من على المنضدة ليقيدني ..
لقد رسبت في الامتحان ..
وانا في طريقي الى القلعة .. وقد شعرت بسكر .. لم يسكرنيه كرم ولا جن .. لا أدرك حقيقة ما انا فيه ..
التفت يمينا .. عجائز يضحكون .. يسارا.. عشاق يتسامرون ..
ما أفاقني من سكري إلا عاشقين رأيتهم من بعيد .. يديه حول خصرها.. وذراعيها حول رقبته.. شفتاه تكاد تلتهم شفتاها ..
انها هي .. وفي يديها نفس كأس الجن ..

يا ليتني مارست التجارة .. قضيت حياتي أستعد لأمتحان ثم رسبت بينما نجح الكل ..
ياليتني شربت الجن ..